حال النبى- صلى الله عليه وسلم- في رمضان
--------------------------------------------------------------------------------
لم يكن حال النبي - صلى الله عليه وسلم- في رمضان كحاله في غيره من الشهور ، فقد
كان برنامجه - صلى الله عليه وسلم- في هذا الشهر مليئاً بالطاعات والقربات ، وذلك
لعلمه بما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها الله بها وميزها عن سائر أيام العام ،
والنبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قد غفر له من تقدم من ذنبه ، إلا أنه أشد الأمة
اجتهادا في عبادة ربه وقيامه بحقه .
وسنقف في هذه السطور مع شيء من هديه عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان
المبارك حتى يكون دافعا للهمم ومحفزاً للعزائم أن تقتدي بنبيها ، وتلتمس هديه .
فقد كان - صلى الله عليه وسلم- يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات ، فكان جبريل
يدارسه القرآن في رمضان ، وكان عليه الصلاة والسلام - إذا لقيه جبريل- أجود بالخير
من الريح المرسلة ، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان ، يكثر فيه من
الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن ، والصلاة والذكر والاعتكاف .
وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور ، حتى إنه ربما واصل
الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة ، وينهى أصحابه عن الوصال ، فيقولون له : إنك
تواصل ، فيقول : ( إني لست كهيئتكم ، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) أخرجاه
في الصحيحين .
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور ، وصح عنه أنه قال : ( تسحروا فإن في
السحور بركة ) متفق عليه ، وكان من هديه تعجيل الفطر وتأخير السحور ، فأما الفطر
فقد ثبت عنه من قوله ومن فعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس وقبل أن
يصلي المغرب ، وكان يقول ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) كما في الصحيح ،
وكان يفطر على رطبات ، فإن لم يجد فتمرات ، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء , وأما
السحور فكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير ، قدر
ما يقرأ الرجل خمسين آية .
وكان يدعو عند فطره بخيري الدنيا والآخرة.
وكان - صلى الله عليه وسلم- يقبل أزواجه وهو صائم ، ولا يمتنع من مباشرتهن من غير
جماع ، وربما جامع أهله بالليل فأدركه الفجر وهو جنب ، فيغتسل ويصوم ذلك اليوم .
وكان - صلى الله عليه وسلم- لا يدع الجهاد في رمضان بل إن المعارك الكبرى قادها -
صلى الله عليه وسلم- في رمضان ومنها بدر وفتح مكة حتى سمي رمضان شهر الجهاد .
وكان يصوم في سفره تارة ، ويفطر أخرى ، وربما خيَّر أصحابه بين الأمرين ، وكان
يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله ، وفي صحيح مسلم عن أبي
الدرداء رضي الله عنه قال : كنا في سفر في يوم شديد الحر ، وما فينا صائم إلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم و عبد الله بن رواحة ، وخرج عام الفتح إلى مكة في شهر
رمضان ، فصام حتى بلغ كُراع الغميم ، فصام الناس ، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى
نظر الناس إليه ، ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ، فقال : ( أولئك
العصاة أولئك العصاة ) رواه مسلم .
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز
وجل ، ليجتمع قلبه على ربه عز وجل ، وليتفرغ لذكره ومناجاته ، وفي العام الذي
قبض فيه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف عشرين يوما .
وكان إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره مجتهدا ومثابرا على
العبادة والذكر .
هذا هو هديه - صلى الله عليه وسلم - ، وتلك هي طريقته وسنته ، فما أحوجنا - أخي
الصائم - إلى الاقتداء بنبينا والتأسي به في عبادته وتقربه ، والعبد وإن لم يبلغ مبلغه ،
فليقارب وليسدد ، وليعلم أن النجاة في اتباعه والسير على طريقه .
منقول