مكان مزدحم ، يعمه صخب الحياة ، تعلو الضحكات ، وتكثر الوجوه ، وتتعالى الصيحات
تنظر هى للأجواء ببصر زائغ ، وأنفاس متسارعة ، وفجاءة تلمحه من بعيد ، تسرع إليه وتقترب ، وتنظر …
فتراه يغمرالاجواء نورا بجماله ، ووحدانيته المتفردة فى ظلمة ليل قاس حالك السواد حولها
، وترى نفسها كأنها وحدها في عالم لا يملؤه إلا هو ….
تنظر إلية وينظر إليها ، يتحدث صمتها إليه بنظرات وياتى حديثه لها إنصات
قائله : أناجى ظلمة الليل بصمت …وعيوني أسكبت دمع الفراق
اترانى من الممكن أن اقترب منه ؟!! أم إن ذلك ضرب من المستحيل.. لن يتحقق !!
فقد تعودت أن ألقاه ، وأتحدث إليه ، اشعر بجوده وان لم يكن موجود ، فمجرد النظرة أو الشعور أو التخيل ..
هذا يكفى ، فاني لا أتصور عالمي من دونه ،
وينقطع الحديث بينها وبينه بصوت تردد قائلا : انستى لما انتى هنا بمفردك ؟؟
لما لا تشاركينا ؟؟ فالأجواء هنا جميله ….
ترقب بعينيها المتحدث ، تجده رجل في ريعان شبابه سن الأربعين تقريبا
فتسمرت عيناها علية واشر حجت الكلمات فى حلقها
وتحدثت بنبره أشبه بالغاضبة قائله :
من أنت ؟ !!
فاحمر وجه الرجل خجلا من الموقف فقد أحس انه تسبب في مضايقتها ورد قائلا
معذرة أنى قد قطعت عليك خلوتك دون سابق معرفه فانا د/ زكريا طبيب أطفال
فقالت في خجل : أهلا بك د/ زكريا
وساد الصمت لبرهة وتابعت حديثها قائله : انه القمر
يظهر في أوقات الليل ويختفي أوقات النهار ، انه عالمي وسيظل …
انه هو الذي يملا سمائي نجوم واحلامى بهجة فهو العالم بأسره ،
فنظر إليها نظرة كلها إعجاب وتعجب في آن واحد
فقلما قابل هذا النوع من الفتيات في حياته
ويرد قائلا : انه عالم جميل ، عالم الأحلام
فتنظر إليه بتعجب ويتفادى هو هذه النظرة مستطرد في كلامه قائلا :
عالم افتراضي غير واقعي لتحقيق أشياء لا تستطع تحقيقها على ارض الواقع
لابد انك من النوع الحالم جدا انسه …. انسه ….
وترد قائله : نهى
يبتسم ويقول انسه نهى انتى من النوع النادر الوجود حقا
فقليل من الفتيات هكذا
فترد وقد احمر وجهها خجلا قائله : أشكرك د/ زكريا ولكن لست الوحيدة ولست النادرة
يوجد الكثييييييييييييييييييير
ويسود الصمت للحظات مرت ثقيلة على نهى فهي تعشق الوحدة
وكانت تريد التنعم بوحدتها ولكنه يكسر حاجز الصمت قائلا:
آنسة نهى امن الممكن لك أن تتقبلي نصيحة رجل عجوز قد اقترب سنة من الأربعين من عمرة
ولديه من الخبرة الكثير فقالت : تفضل انى منصته
فقال : اياكى والعيش فى عالم افتراضي فهذا العالم هو عالم الأحلام
والعلاقات الافتراضية التي ليس لها حياة على الأرض
فهو عالم جميل حقا يشع بهجة وسعادة في ظاهره كهذا القمر المتلالا من الخارج المظلم الموحش
من الداخل هكذا العالم الافتراضي
سكتت نهى لحظات طويلة وهى تتأمل كلام د/ زكريا وتنظر الى القمر
تستعيد الذكريات والكلمات والنظرات التي تجسدت في عالمها هذا وعندها
دار الصراع داخلها بين ما هو واقع وما هو متوقع
فالواقع ان ما احست به وعاشت له ليس له وجود
والمتوقع ان يصبح فعلا موجود
فذكرياتها واقع بداخلها هى فقط لانها تعايشت معها وجعلتها عالمها الحي
بينما الحقيقة هى مجرد ذكريات لا حياة لها
فادركت ان هذا كله افتراض من قبلها هى
وعندها أدركت حقا حقيقة هذا العالم وتوجهت بنظرها إلى د/ زكريا لكي تشكره
فوجدته قد رحل وغاب عن ناظريها
وبدء السؤال يراودها
إلى متى ؟؟
إلى متى العيش في هذا العالم الافتراضي ويظل السؤال بلا اجابة………….